فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الجواب الرابع- عن مفهوم الآية-: جواب أبي ثور، فإن من مذهبه ما هو أغرب من قول داود من وجوه، ذلك أنه يقول فإذا أحْصن فإن عليهن نصف ما على المحصنات المزوجات وهو الرجم، وهو لا يتناصف فيجب أن ترجم الأمة المحصنة إذا زنت، وأما قبل الإحصان فيجب جلدها خمسين. فأخطأ في فهم الآية وخالف الجمهور في الحكم، بل قد قال أبو عبد الله الشافعي، رحمه الله: ولم يختلف المسلمون في أن لا رجم على مملوك في الزنا؛ وذلك لأن الآية دلت على أن عليهن نصف ما على المحصنات من العذاب، والألف واللام في المحصنات للعهد، وهن المحصنات المذكورات في أول الآية: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ} والمراد بهن الحرائر فقط، من غير تعرض لتزويج غيره، وقوله: {نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} يدل على أن المراد من العذاب الذي يمكن تنصيفه وهو الجلد لا الرجم، والله أعلم.
ثم قد روى الإمام أحمد حديثا نَصا في رَدِّ مذهب أبي ثور من رواية الحسن بن سعد عن أبيه أن صفية كانت قد زنت برجل من الحمس، فولدت غلاما، فادعاه الزاني، فاختصما إلى عثمان بن عفان فرفعهما إلى علي بن أبي طالب، فقال علي: أقضي فيهما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الولد للفِرَاش وللعَاهِر الحَجَر» وجلدهما خمسين خمسين.
وقيل: بل المراد من المفهوم التنبيه بالأعلى على الأدنى، أي: أن الإماء على النصف من الحرائر في الحد وإن كن محصنات، وليس عليهن رجم أصلا لا قبل النكاح ولا بعده، وإنما عليهن الجلد في الحالتين بالسنة. قال ذلك صاحب الإفصاح عن الشافعي، فيما رواه ابن عبد الحكم، عنه. وقد ذكره البيهقي في كتاب السنن والآثار، وهو بعيد عن لفظ الآية؛ لأنا إنما استفدنا تنصيف الحد من الآية لا من سواها، فكيف يفهم منها التنصيف فيما عداها، وقال: بل أريد بأنها في حال الإحصان لا يقيم الحد عليها إلا الإمام، ولا يجوز لسيدها إقامة الحد عليها والحالة هذه- وهو قول في مذهب الإمام أحمد رحمه الله- فأما قبل الإحصان فله ذلك، والحد في كلا الموضعين نصف حد الحرة. وهذا أيضا بعيد؛ لأنه ليس في لفظ الآية ما يدل عليه.
ولولا هذه لم ندر ما حكم الإمام في التنصيف، ولوجب دخولهن في عموم الآية في تكميل الحد مائة أو رجمهن، كما أثبت في الدليل عليه، وقد تقدم عن علي أنه قال: أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحد من أحصن منهم ومن لم يحصن، وعموم الأحاديث المتقدمة ليس فيها تفصيل بين المزوجة وغيرها، لحديث أبي هريرة الذي احتج به الجمهور: «إذا زَنَتْ أمةُ أحدِكم فتبين زِناهَا فَليجْلِدها الحدَّ ولا يثرب عَلَيْها».
ملخص الآية: أنها إذا زنت أقوال: أحدها: أنها بجلد خمسين قبل الإحصان وبعده، وهل تنفى؟ فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها تنفى عنه والثاني: لا تنفى عنه مطلقًا. وهو قول علي وفقهاء المدينة والثالث: أنها تنفى نصف سنة وهو نفي نصف الحرة. وهذا الخلاف في مذهب الشافعي، وأما أبو حنيفة فعنده أن النفي تعزير ليس من تمام الحد، وإنما هو رأي الإمام، إن شاء فعله وإن شاء تركه في حق الرجال والنساء، وعند مالك أن النفي إنما هو على الرجال، وأما النساء فلا؛ لأن ذلك مضاد لصيانتهن، وما ورد شيء من النفي في الرجال ولا في النساء نعم حديث عُبَادَة وحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام وبإقامة الحد عليه، رواه البخاري، وكل ذلك مخصوص بالمعنى، وهو أن المقصود من النفي الصون وذلك مفقود في نفي النساء والله أعلم.
والثاني: أن الأمة إذا زنت تُجلد خمسين بعد الإحصان، وتضرب قبله تأديبا غير محدود بعدد محصور، وقد تقدم ما رواه ابن جرير عن سعيد بن جبير: أنها لا تضرب قبل الإحصان، وإن أراد نفيه فيكون مذهبًا بالتأويل وإلا فهو كالقول الثاني.
القول الآخر: أنها تجلد قبل الإحصان مائة وبعده خمسين، كما هو المشهور عن داود، وهو أضعف الأقوال: أنها تجلد قبل الإحصان خمسين وترجم بعده، وهو قول أبي ثور، وهو ضعيف أيضا والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
وقوله: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} أي: إنما يباح نكاح الإماء بالشروط المتقدمة لمن خاف على نفسه الوقوع في الزنا، وشق عليه الصبر عن الجماع، وعنت بسبب ذلك كله، فحينئذ يتزوج الأمة، وإن ترك تزوج الأمة وجاهد نفسه في الكف عن الزنا، فهو خير له؛ لأنه إذا تزوجها جاء أولاده أرقاء لسيدها إلا أن يكون الزوج عربيا فلا تكون أولاده منها أرقاء في قول قديم للشافعي، ولهذا قال: {وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
ومن هذه الآية الكريمة استدل جمهورُ العلماء في جواز نكاح الإماء، على أنه لابد من عدم الطَّوْل لنكاح الحرائر ومن خوف العنت؛ لما في نكاحهن من مفْسَدة رق الأولاد، ولما فيهن من الدناءة في العدول عن الحرائر إليهن. وخالف الجمهورَ أبو حنيفة وأصحابه في اشتراط الأمرين، فقالوا: متى لم يكن الرجل مزوجا بحرّة جاز له نكاح الأمة المؤمنة والكتابية أيضا، سواء كان واجدًا الطول لحرة أم لا وسواء خاف العنت أم لا وعمدتهم فيما ذهبوا إليه عموم قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] أي: العفائف، وهو يعم الحرائر والإماء، وهذه الآية عامة، وهذه أيضا ظاهرة في الدلالة على ما قاله الجمهور والله أعلم. اهـ.

.قال الفخر:

الخوارج اتفقوا على إنكار الرجم، واحتجوا بهذه الآية، وهو أنه تعالى أوجب على الأَمَةِ نصف ما على الحُرَّة المُحْصَنَة، فلو وجب على الحرة المحصنة الرجم، لزم أن يكون الواجب على الأمة نصف الرجم وذلك باطل، فثبت أن الواجب على الحرة المتزوجة ليس إلا الجلد، والجواب عنه ما ذكرناه في المسألة المتقدمة، وتمام الكلام فيه مذكور في سورة النور في تفسير قوله: {الزانية والزانى فاجلدوا كُلَّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2]. اهـ.
قال الفخر:
اعلم أن الفقهاء صيروا هذه الآية أصلا في نقصان حكم العبد عن حكم الحر في غير الحد، وإن كان في الأمور مالا يجب ذلك فيه والله أعلم. اهـ.
قال الفخر:
{ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ العنت مِنْكُمْ} لم يختلفوا في أن ذلك راجع إلى نكاح الإماء فكأنه قال: فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات لمن خشي العنت منكم، والعنت هو الضرر الشديد الشاق قال تعالى فيما رخص فيه مخالطة اليتامى: {والله يَعْلَمُ المفسد مِنَ المصلح وَلَوْ شَاء الله لأعْنَتَكُمْ} [البقرة: 220] أي لشدد الأمر عليكم فألزمكم تمييز طعامكم من طعامهم فلحقكم بذلك ضرر شديد وقال: {وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البغضاء مِنْ أفواههم} [آل عمران: 118]، أي أحبوا أن تقعوا في الضرر الشديد.
وللمفسرين فيه قولان: أحدهما: أن الشبق الشديد والغلمة العظيمة ربما تحمل على الزنا فيقع في الحد في الدنيا وفي العذاب العظيم في الآخرة، فهذا هو العنت.
والثاني: أن الشبق الشديد والغلمة العظيمة قد تؤدي بالانسان إلى الأمراض الشديدة، أما في حق النساء فقد تؤدي إلى اختناق الرحم، وأما في حق الرجال فقد تؤدي إلى أوجاع الوركين والظهر.
وأكثر العلماء على الوجه الأول لأنه هو اللائق ببيان القرآن. اهـ.
قال الفخر:
المراد أن نكاح الإماء بعد رعاية شرائطه الثلاثة أعني عدم القدرة على التزوج بالحرة، ووجود العنت، وكون الأمة مؤمنة: الأولى تركه لما بينا من المفاسد الحاصلة في هذا النكاح. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وأن تصبروا خير لكم} أي الصبر على العزبة خير من نكاح الأمة لأنه يفضى إلى إرقاق الولد والغض من النفس والصبر على مكارم الأخلاق أولى من البذالة وروى عن عمر رضي الله عنه أنه قال أيما حر تزوج بأمة فقد أرق نصفه يعني يصير ولده رقيقا فالصبر عن ذلك أفضل لكيلا يرق الولد وقال سعيد بن جبير ما نكاح الأمة من الزنى إلا قريب قال الله تعالى: {وأن تصبروا خير لكم} أي عن نكاح الإماء وفي سنن ابن ماجه عن الضحاك بن مزاحم قال سمعت أنس بن مالك يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أراد أن يلقى الله طاهرا مطهرا فليتزوج الحرائر» ورواه أبو إسحاق الثعلبي من حديث يونس بن مرداس وكان خادما لأنس وزاد فقال أبو هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الحرائر صلاح البيت والإماء هلاك البيت أو قال فساد البيت». اهـ.

.قال الفخر:

مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه أن الاشتغال بالنكاح أفضل من الاشتغال بالنوافل، فإن كان مذهبهم أن الاشتغال بالنكاح مطلقًا أفضل من الاشتغال بالنوافل، سواء كان النكاح نكاح الحرة أو نكاح الأمة، فهذه الآية نص صريح في بطلان قولهم، وإن قالوا: إنا لا نرجح نكاح الأمة على النافلة، فحينئذ يسقط هذا الاستدلال، إلا أن هذا التفصيل ما رأيته في شيء من كتبهم والله أعلم. اهـ.
قال الفخر:
إنه تعالى ختم الآية بقوله: {والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} وهذا كالمؤكد لما ذكره من أن الأولى ترك هذا النكاح، يعني أنه وإن حصل ما يقتضي المنع من هذا الكلام إلا أنه تعالى أباحه لكم لاحتياجكم إليه، فكان ذلك من باب المغفرة والرحمة، والله أعلم. اهـ.

.قال السعدي:

وختم هذه الآية بهذين الاسمين الكريمين الغفور والرحيم لكون هذه الأحكام رحمةً بالعباد وكرمًا وإحسانًا إليهم فلم يضيق عليهم، بل وسع غاية السعة.
ولعل في ذكر المغفرة بعد ذكر الحد إشارة إلى أن الحدود كفارات، يغفر الله بها ذنوب عباده كما ورد بذلك الحديث. وحكم العبد الذكر في الحد المذكور حكم الأمة لعدم الفارق بينهما. اهـ.

.قال النيسابوري في الآيات السابقة:

{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24) وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)}.
التفسير: إنه سبحانه نص على تحريم أربعة عشر صنفًا من النسوان، سبعة من جهة النسب: الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت، وسبعة أخرى لا من جهة النسب: الأمهات من الرضاعة، والأخوات من الرضاعة، وأمهات النساء، وبنات النساء بشرط الدخول بالنساء، وأزواج الأبناء والآباء- وهذه في الآية المتقدمة- والجمع بين الأختين، والمحصنات من النساء. وذهب الكرخي إلى أن هذه الآية مجملة لأنه أضيف التحريم فيها إلى الأمهات والبنات، والتحريم لا يمكن إضافته إلى الأعيان وإنما يمكن إضافته إلى الأفعال وذلك غير مذكور في الآية، فليست إضافة هذا التحريم إلى بعض الأفعال التي لا يمكن إيقاعها في ذوات الأمهات والبنات أولى من بعض وهذا معنى الإجمال. والجواب من المعلوم بالضرورة من دين محمد صلى الله عليه وسلم أن المراد منه تحريم نكاحهن لاسيما وقد تقدم قوله: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم} ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم إلاّ لإحدى خصال ثلاث» فإنه لا يشتبه أن المراد لا يحل إراقة دمه. ثم إنّ قوله: {حرمت} إنشاء للتحريم كقول القائل بعت أو طلقت لا إخبار عن التحريم في الزمان الماضي ولا يشتبه أن المحرم هو الله تعالى كقوله: {بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور} [العاديات: 9، 10] والخطاب لأولئك الحاضرين بالذات ولمن عداهم من الأمة بالتبعية. والأصل في كل حكم هو الاستمرار والتأبيد ما لم ينسخه ناسخ، والقرينة تدل على أن المراد أنه تعالى حرم على كل أحد أمه خاصة وبنته خاصة. واعلم أنّ حرمة الأمهات والبنات كانت ثابتة من زمان آدم إلى هذا الزمان، ولم يثبت حل نكاحهن في شيء من الأديان، بل إنّ زرادشت نبي المجوس بزعمهم قال بحله إلاّ أن أكثر المسلمين اتفقوا على أنه كان كذابًا. أما نكاح الأخوات فقد نقل أن ذلك كان مباحًا في زمان آدم عليه السلام وذلك للضرورة، وبعض المسلمين ينكره ويقول: إنه تعالى بعث الحور من الجنة تحت تزوج بهن أبناء آدم، ويرد عليه أنّ هذا النسل حينئذ لا يكون محض أولاد آدم وذلك بالإجماع باطل. قال العلماء: السبب في تحريم الأمهات والبنات أن الوطء إذلال وإهانة فلا يليق بالأصل والجزء. والأمهات جمع الأم والهاء زائدة. ووزن أم فعل أو أصلية ووزنه فع. وقد يجيء جمعه على أمات وقد يقال الأمهات للإنسان، والأمات لغيره، وكل امرأة رجع نسبك إليها بالولادة من جهة أبيك أو من جهة أمك بدرجة أو درجات بإناث رجعت إليها أو بذكور فهي أمك. ولا شك أن لفظ الأم حقيقة في التي ولدتك، أما في الجدة فيحتمل أن يكون حقيقة أيضًا وحينئذٍ يكون اللفظ متواطئًا فيها إن كان موضوعًا بإزاء قدر مشترك بينهما، وتكون الآية نصًا في تحريمها أو يكون مشتركًا بينهما. وحينئذٍ إن جوز استعمال اللفظ المشترك في كلا مفهوميه فالآية نص في تحريمها أيضًا وإلا فطريقان: أحدهما أن تحريم الجدات مستفاد من الإجماع، والثاني أنه تعالى تكلم بهذه الآية مرتين لكل من المفهومين. وكذا الكلام إن قلنا إنّ الأم حقيقة في الوالدة مجاز في الجدات. قال الشافعي: إذا تزوج الرجل بأمه ودخل بها يلزمه الحد. وقال أبو حنيفة: لا يلزمه.